ترامب يغيّر قواعد اللعبة- هل تتزعزع هيمنة إسرائيل على السياسة الأميركية؟

في خطوة مفاجئة، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بجولة مكثفة في منطقة الشرق الأوسط خلال شهر مايو/أيار، حيث زار السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة. هذه الجولة تمثل تحولاً لافتاً عن دعمه المطلق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو الدعم الذي ميز ولايته الرئاسية الأولى.
في الفترة التي سبقت هذه الزيارة، انخرط ترامب في مفاوضات حساسة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار مع الحوثيين، دون أن يشترط عليهم التوقف عن شن هجماتهم على أهداف داخل الكيان الإسرائيلي. والأكثر من ذلك، سمح ترامب بإجراء محادثات مباشرة مع حركة حماس، حيث تعهد بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة لقطاع غزة المحاصر، مقابل إطلاق سراح أسير يحمل جنسية مزدوجة، أمريكية وإسرائيلية.
هذه التحركات الجريئة من جانب الإدارة الأمريكية، والتي جاءت على الرغم من معارضة إسرائيلية عنيفة، نجحت في زعزعة الافتراضات الراسخة منذ أمد بعيد، والتي تتعلق بمتانة العلاقة الإستراتيجية التي تجمع بين واشنطن وتل أبيب. هذا الجدل المحتدم لطالما استقطب اهتمام المؤرخين والأكاديميين والخبراء في مجال العلاقات الدولية على مدى عقود طويلة.
من ناحية، يرى البعض أن العلاقة الوثيقة بين الطرفين تعتمد بشكل كبير على نفوذ اللوبي الصهيوني القوي، الذي يسعى للتأثير في النظام السياسي الأمريكي لتحقيق مصالح الكيان الإسرائيلي.
في هذا السياق، قدم العالمان السياسيان البارزان جون ميرشايمر وستيفن والت، حججاً قوية ومقنعة لدعم هذا الرأي في كتابهما الهام والمعروف على نطاق واسع: "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية". وقد استشهدا بأمثلة عديدة ومتنوعة، امتدت عبر عقود طويلة، لتوضيح النفوذ الهائل الذي يتمتع به اللوبي الصهيوني في قلب الولايات المتحدة، وخاصة تأثيره العميق على صانعي القرار والطبقة السياسية في الكونجرس الأمريكي، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، وكذلك على الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
فعلى سبيل المثال، يسلط الكتاب الضوء على الدور الكبير الذي لعبه اللوبي الصهيوني والمحافظون الجدد، الذين غالباً ما يفضلون الأولويات والمصالح الإسرائيلية، في التأثير على قرارات إدارة الرئيس جورج بوش الابن، خلال فترة التحضير لغزو العراق في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
بالإضافة إلى ذلك، من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، تفسير الانخراط العميق للولايات المتحدة في ما يسمى بـ "الحرب الكونية على الإرهاب" وتغيير الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط، على مدى أكثر من عقدين من الزمن، من خلال الاعتماد فقط على المصالح الأمريكية البحتة أو الدوافع الجيوسياسية. لذلك، لا شك في أن الكيان الصهيوني قد لعب دوراً محورياً في الترويج لهذه السياسات وتعزيزها.
في كتابه "القوة اليهودية"، يشرح الصحفي ج. ج. غولدبرغ، جوهر قوة اللوبي الصهيوني اليهودي في تعزيز المصالح الإسرائيلية في مختلف المجالات.
وقد تم تناول هذه القضية بتفصيل معمق في كتاب حديث للمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، حيث تتبع أساليب التلاعب التي يمارسها اللوبي الصهيوني، وسيطرته ونفوذه على الساسة الأمريكيين والبريطانيين، وتأثير ذلك على السياسة الخارجية لكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على مدى قرن كامل.
وعلى النقيض من ذلك، يؤكد المؤلف والمفكر الأمريكي البارز نعوم تشومسكي، في العديد من مؤلفاته، أن الولايات المتحدة هي التي تتحكم في الكيان الصهيوني وتوجهه لخدمة مصالحها الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.
في هذا السياق، يُنظر إلى الكيان الإسرائيلي على أنه مجرد أداة ضمن مجموعة الأدوات الأمريكية الأوسع، والتي تهدف إلى ضمان الهيمنة الأمريكية والسيطرة الإمبريالية على هذه المنطقة الحيوية، بل وعلى العالم بأكمله.
وهناك بالفعل وقائع تاريخية تدعم هذا الرأي. أحدها يعود إلى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والذي شنته الكيان الإسرائيلي وفرنسا والمملكة المتحدة، حيث أمر الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور حينها الكيان الإسرائيلي بالانسحاب الفوري من سيناء، قبل أسبوع واحد من إعادة انتخابه.
والمثال الآخر يتجلى في حرب الخليج عام 1991، حيث طالبت الولايات المتحدة الكيان الإسرائيلي بعدم الرد على هجمات صواريخ سكود العراقية أثناء الحرب، وذلك لتجنب إحراج حلفائها العرب في المنطقة.
لذلك، فإن السؤال الأهم في هذه المرحلة الحرجة يتلخص في تحديد الطرف الذي يوجه الآخر. هذه المسألة ليست مجرد مسألة ذات أهمية للإجابة عن هذا السؤال فحسب، بل إنها ضرورية أيضاً لإيجاد تفسير دقيق أو تحليل شامل، يسعى لفهم طبيعة تطور الأحداث في المراحل الحاسمة في منطقتي غرب آسيا وشمال أفريقيا.
بمعنى آخر، السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو: هل إسرائيل هي التي تمسك بزمام السياسة الأمريكية، وتحرك صانعي القرار الأمريكيين كيفما تشاء؟ أم أنها مجرد دمية تحركها خيوط أمريكية ماهرة؟
خلال حملة الإبادة الجماعية الشنيعة التي شنها الكيان الصهيوني منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قدمت الولايات المتحدة لهذا الكيان دعماً كاملاً وغير محدود، حيث زودته بأكثر الأسلحة فتكاً وتدميراً، وبتمويل سخي لا ينضب، وبغطاء سياسي كامل، وحماية دبلوماسية شاملة، مما تسبب في إلحاق أضرار جسيمة بسمعتها ومكانتها كقوة عظمى رئيسة، مسؤولة عن الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحماية مؤسسات النظام الدولي.
على الرغم من أنه من غير المنطقي إنكار قوة تأثير اللوبي الصهيوني على سياسة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، فإن مسألة تحديد من يقود الآخر على مستوى القرارات المصيرية الكبرى، لا تزال تكتنفها الكثير من الشكوك والغموض، خاصة في ضوء التحولات السياسية الأخيرة التي طرأت على مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
فقد بدأ ترامب ولايته الثانية ليس فقط كشخص معروف بسياسته المتوافقة إلى حد كبير مع الرؤى الصهيونية، بل كالرئيس الأكثر تأييداً للكيان الإسرائيلي في تاريخ الولايات المتحدة.
وخلال ولايته الأولى (2017-2021)، اعترف ترامب بالقدس عاصمة للكيان، متحدياً بذلك عقوداً من السياسة الأمريكية المعلنة، بل وأتم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس خلال فترة ولايته. واعترف أيضاً بسيادة الكيان الإسرائيلي على هضبة الجولان السورية، مما أثار انتقادات واسعة النطاق، واعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.
علاوة على ذلك، أضعفت سياسات ترامب المنحازة بشدة السلطة الفلسطينية، من خلال إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وقطع معظم المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية، والمنظمات غير الحكومية الفلسطينية، وكذلك الجمعيات الخيرية الأمريكية والدولية، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة التي تقدم خدماتها للاجئين الفلسطينيين، مثل الأونروا (UNRWA).
وقد فعل ترامب كل ذلك على الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي أعطت الشرعية لعملية أوسلو المتعثرة والفاشلة، والتي دشنت مسار التسوية الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة منذ عام 1993، مما منح الكيان الصهيوني الوقت الكافي لترسيخ قبضته على الضفة الغربية المحتلة.
لكن ترامب في نهاية المطاف رئيس يتبنى شعار الصفقات التجارية المتبادلة، وهو يحب أن يقدم نفسه لقاعدته الشعبية "ماغا" (MAGA)، التي تنادي بشعار "أمريكا أولاً"، كقائد قوي يحقق نجاحات وإنجازات ملموسة. ولذلك، فإنه ليس على استعداد لإضاعة الوقت في انتظار تحقيق وعود نتنياهو الوهمية، التي يطلقها باستمرار حول إخضاع المقاومة الفلسطينية وجعلها تستسلم، وهي وعود فشل في الوفاء بها مراراً وتكراراً.
عندما انتهك نتنياهو اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم توقيعه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025 برعاية فريق ترامب، وأصدر أوامره لجيشه بتصعيد الهجوم على غزة في 18 مارس/ آذار، منحه ترامب شهرين إضافيين لتحقيق أهدافه المعلنة، إلا أنه لم يتمكن من تحقيقها في نهاية المطاف.
وفي السابع من أبريل/ نيسان، وخلال زيارة نتنياهو للبيت الأبيض، فاجأه ترامب بإعلان بدء المفاوضات النووية الأمريكية الإيرانية، بعد أن كان نتنياهو يسعى لإقناع الطرف الأمريكي بتوجيه ضربات عسكرية مزدوجة ضد إيران، وكان يناقش تفاصيل ذلك مع مستشار الأمن القومي لترامب، مايكل والتز. بيدَ أن ترامب رفض تلك الخطط، بل وأقال والتز من منصبه، وقرر بعد ذلك السعي لحل القضية النووية الإيرانية من خلال الدبلوماسية، مما أثار غضب نتنياهو وأزعجه كثيراً.
وخلال الزيارة نفسها، طلب نتنياهو دعم ترامب لسياسته في سوريا، والتي كان ينتهجها منذ الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، حيث قام لأسابيع بعد سقوط الأسد بتدمير معظم القدرات العسكرية السورية المتبقية، ثم شنّ سلسلة من الغارات الجوية والاجتياحات البرية، واستولى على أكثر من 400 كيلومتر مربع، وأضافها إلى هضبة الجولان السورية المحتلة.
لم يكن الهدف من هذه الهجمات العسكرية مجرد إضعاف سوريا، بل محاولة تقسيمها وتفكيكها إلى أربع مناطق عرقية أو طائفية: الدرزية، العلوية، الكردية، والسنية.
لكن هذا المخطط الخطير يتعارض بشكل مباشر مع المصالح الجيوسياسية لتركيا، التي تسعى للحفاظ على وحدة الأراضي السورية. تركيا، التي كانت المستفيد الأكبر من تغيير النظام في سوريا، والتي رحبت بالحكومة الجديدة واحتضنتها، كانت قد تلقت تهديدات واستفزازات من العديد من الوزراء الإسرائيليين.
أمام دهشة وذهول نتنياهو، لم يدعم ترامب فقط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا النزاع، بل أعلن أيضاً الانسحاب الوشيك لبعض القوات الأمريكية من شمال سوريا، كما دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي علنًا للسعي إلى التوصل إلى تسوية مع الجانب التركي.
على مدى الأعوام الثلاثين الماضية، كانت الخلافات السياسية في العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي نادرة للغاية. لذلك، أجبر موقف ترامب الحاسم الكيان الصهيوني على بدء تسوية تفاوضية مع تركيا في سوريا لتجنب التصعيد أو الصراع المباشر.
بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الاعتراضات الإسرائيلية الشديدة، أعلن ترامب رفع جميع العقوبات الأمريكية والدولية عن سوريا خلال زيارته الأخيرة للسعودية، وهو قرار جاء نتيجة ضغوط مكثفة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي أردوغان.
كان للموضوع التجاري والاقتصادي الدور الأكبر في زيارة ترامب للمنطقة. ولقد بدا الرئيس الأمريكي حريصاً على إظهار النجاح والإنجازات الاقتصادية أمام مؤيديه، حيث سعى إلى إنجاز صفقات أسلحة وعقود تجارية ضخمة في دول الخليج الثلاث التي زارها.
بيدَ أن السعودية رفضت رفضاً قاطعاً تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في ظل استمرار عملية الإبادة الجماعية المروعة في غزة. وكان من بين المطالب السعودية الأساسية لاتفاق التطبيع، توفير ضمانات أمنية أمريكية قوية، وبناء مفاعل نووي مدني على أراضيها.
لقد استمرت جهود إدارة بايدن السابقة لشهور طويلة من أجل التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، إلا أنها باءت بالفشل الذريع، بسبب رفض الطرف الإسرائيلي دعم حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية.
غير أن ترامب فاجأ الطرف الإسرائيلي وتخلى عن شرط التطبيع، وواصل زيارته إلى السعودية، حيث وقع أكبر صفقة أسلحة في التاريخ الحديث.
ولذلك كانت المفاجأة كبيرة ومفجعة للإسرائيليين، الذين كانوا يعارضون بشدة هذه الصفقات، ولكنهم لم يتمكنوا من منعها هذه المرة. فلو كانت هذه الصفقات مبادرة من إدارة ديمقراطية، لكان نتنياهو قد استطاع حشد دعم الجمهوريين في الكونجرس لإفشال الصفقة. ولكن لأن المبادرة جاءت من إدارة جمهورية، لم يتمكن نتنياهو من فعل الكثير حيال ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، وبعد أسابيع قليلة من زيارة نتنياهو لواشنطن، وجه ترامب ضربة أخرى قاسية له ولشركائه المتطرفين، بإعلانه اتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن في 6 مايو/ أيار، دون أن يشترط عليهم التوقف عن شن هجماتهم على الأهداف الإسرائيلية.
كان الحوثيون يستهدفون الملاحة والأجواء والمدن التابعة للكيان الصهيوني منذ شهور طويلة، في محاولة منهم لوقف الإبادة الجماعية في غزة. وقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار لمحاولة وقف هذه الهجمات، دون تحقيق نجاح يذكر. ولم يتمكن ترامب من تحمل الخسائر المتراكمة، مما أدى إلى تخليه عن الكيان الصهيوني لإغلاق هذا الملف الحساس.
لطالما كانت السياسة الأمريكية الثابتة في المنطقة، بغض النظر عن انتماء الحزب الحاكم في البيت الأبيض، هي منح الكيان الصهيوني حرية التصرف عند التعامل مع الفاعلين من غير الدول (Non-state actors)، مثل حماس، وحزب الله، مع كبح جماح الكيان عندما يتعلق الأمر بفاعلين من الدول، مثل إيران، نظراً للمصالح الإستراتيجية الأمريكية الأوسع في المنطقة.
ومع ذلك، فقد منح ترامب نتنياهو شهوراً من إطلاق اليد لتنفيذ حملة إبادة وحشية في غزة، بما في ذلك القيام بالقصف العشوائي الهمجي للمناطق المدنية، واتباع سياسة التجويع القاسية، التي حرمت أكثر من مليونَي فلسطيني في غزة من الوصول إلى الغذاء والماء والدواء والوقود الضروري للحياة.
كان ترامب حريصاً على تأمين إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، وهو إنجاز إذا تحقق، كان سيتباهى به ترامب كنجاح باهر يحسب له في السياسة الخارجية. لكن محاولاته في هذا الصدد قوبلت بتصلب مواقف نتنياهو وإصراره العنيد على تحقيق "النصر الكامل"، الذي كان من المؤكد أنه سيطيل أمد الحرب، بل ويعرض حياة الأسرى للخطر الشديد.
لذا، وقبل جولة ترامب في الخليج، قام فريقه بفتح محادثات مباشرة مع حركة حماس، التي تصنفها الولايات المتحدة رسمياً كمنظمة إرهابية منذ عام 1997، من أجل تأمين إطلاق سراح عيدان ألكسندر، وهو المواطن الأمريكي- الإسرائيلي الوحيد المتبقي بين الأسرى.
وبعد ضغط مستمر من الوسطاء، وتعهد مباشر من الطرف الأمريكي بتقديم مساعدات إنسانية كبيرة للفلسطينيين الجائعين في غزة، أطلقت حماس سراح ألكساندر في 12 مايو/ أيار 2025، عشية زيارة ترامب للمنطقة، حيث قُدم الإفراج عنه كبادرة حسن نية تجاه الرئيس الأمريكي.
أثار هذا التحرك غضب نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، لأنه كشف عن استعدادهم للتضحية بالأسرى من أجل تحقيق أهدافهم الخفية، والتي تتمثل في التطهير العرقي واحتلال غزة، ضمن مشروع إقامة إسرائيل الكبرى. وبدلاً من الاحتفال بإطلاق سراح الأسير الإسرائيلي، اعتبر العديد من الإسرائيليين هذا التعامل المباشر مع حماس خيانة لهم من جانب ترامب.
بيدَ أنه لا ينبغي لأحد أن يتسرع في الحكم على هذا الخلاف السياسي. فإدارة ترامب لا تزال تضم العديد من الصهاينة المتشددين، الذين هم أشد المسؤولين تأييدًا للمشروع الصهيوني في الحكومات الأمريكية على الإطلاق. ولذا، فمن غير الواضح حتى الآن، ما إذا كانت هذه التحولات الجذرية تشير إلى تغيير طويل الأمد في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط.
ولذلك، تبدو هذه السياسات في الوقت الراهن تكتيكية أكثر من كونها إستراتيجية، حيث تبقى الأهداف النهائية للطرفين كما هي، لكن الوسائل قد تتغير من أجل خدمة المصالح الأمريكية طويلة الأجل في المنطقة.
ربما يكون الاختبار الحقيقي والنهائي للإجابة عن سؤال: من هو الطرف الذي يقود الآخر في هذه العلاقة المعقدة؟ هو في قدرة ترامب على إجبار الكيان الإسرائيلي على وقف الحرب الوحشية والإبادة الجماعية في غزة. حينها سنصل إلى لحظة الحقيقة الحاسمة: هل ستقف الولايات المتحدة إلى جانب مصالحها الأمنية والاقتصادية الحيوية في المنطقة، أم ستدعم مشروع إسرائيل الكبرى التوسعي ذو الخلفية الدينية المسيانية؟
إن نتيجة هذا الاختبار ستحدد لنا الإجابة النهائية عن السؤال المحوري: أيهما الدمية؟ وأيهما يمسك بالخيوط ويوجه اللعبة؟